عدد الصفحات: 000 صفحة
عن الكتاب: إن القارئ المتأمل لكل من أعمال الطيب صالح الروائية، لا جدال، سيعيش هذا الثراء الفكري والغني المبني على أصالة الفكر، وثراء التجربة الإنسانية، استقراء وتحلل استجلاء واستنباط دقائق الحياة، ورحابة الخيال وحب الاستبصار، والتعبير عن كل ذلك بلغة شاعرة تتميز بالرصانة والجزالة والوجدانية المتفردة الموحية.
لقد امتلك أدوات فنه الروائي المبدع، فأنت من جهة تشهد له على هذه القدرة المتميزة على الحكي وبلورة الفكرة رويداً رويداً ليشيد باستدعاء التفاصيل ونسج العلاقات بين الأطراف المتجانسة حيناً، المتنازعة أحياناً أخرى، هذا البناء المتكامل الذي يتداخل فيه الواقع بالخيال، وتتمازج فيه الأحلام مع الواقع الماثل، وتتناغم فيه كل المشاعر على اختلاف منابعها وتوجيهاتها.
ويستند في ذلك إلى مخزون ثري من التجارب، وإلى تداعيات لا متناهية من الخيال، وعلى افتتان باللغة العربية، يؤكده اتقانه لها، وعلمه بأسرارها، وسعيه الدؤوب لإظهار جمالياتها. يضاف إلى كل ذلك قدرته الخاصة المميزة على توظيف كل حواسه توظيفاً يقظاً ومبدعاً لاستشراف والتقاط كل المدركات السمعية والبصرية لتكثيف وتجسيد المشهد والموقف، والتعبير الدقيق والموحي بما وراء المدركات في خلجات دفينة تتفاعل في صدر ودواخل شخوص رواياته فتعطيها شيئاً من خصوصيتها وذاتيتها ولغتها وطابعها المتفرد في الحركة والسكون.
وذلك من الرسم الإيحائي بالكلمات الوارفة المعطاءة، يمنح هذا الفكر وهذا الفن الروائي تفرداً وجدّة وقدرة هائلة على التواصل مع القراء، إلى هذا، فالطيب الصالح، باختصار شديد هو ابن التمازج الحضاري والعرقي الأفريقي السوداني. ففي هذه المختارات يستشف القارئ مزيج هذه النفحات. وشمال السودان هي المادة التي يختار الطيب نماذجه الإنسانية منها، وشخوص أعماله في "للمدن تفرد وحديث: الشرق" هي الرجال والنساء والأطفال الذين يحفل بهم هذا الجزء من التراب السوداني، وهم على أية حال لا يختلفون كثيراً عن نماذج بقية أجزاء السودان؛ الأرض والناس.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق